لا يمضي يوم و لا ساعة إلا و نكتشف حقيقة جديدة و براهين جديدة عن نهضة (الحسين بن علي) ، هذه الأسطر ليست للاستمتاع و الاسترخاء بل للاستعداد و التحدي لكل ما نسمعه و نقرأه ، و هي محاولة لحرث أرضية أذهاننا لتقليب الأفكار التي استقرت فيها من الأفكار البالية و التفسيرات الاجتماعية و التاريخية الخادعة ،
بل حتى أشباه المقولات الرنانة التي يستخدمها البعض لخداع العامة بكلمات يظنون أنها كبيرة و فوق المساءلة ، فإذا جئنا و وضعنا حركة (مسلم بن عقيل) في الكوفة على طاولة البحث و أجرينا الفحوصات الدقيقة لأحداثها.
فإنه لا يوجد عاقل واحد يمكن أن يقرأ سيرة (مسلم بن عقيل) و الظلم الذي أحيط به تاريخيا ، و يقارنها بالتجربة العسكرية و الروحانية أن يؤمن ببساطة أن هذه الشخصية التي تحمل في طياتها التجربة العميقة في إدارة العسكر و الجيوش ، و شاركت في معارك الجمل و صفين مع أمير المؤمنين ،
ثم أصبحت سفيرا لقائد الأمة الذي له بعد روحي يستقطب الجماهير نحوه ، أن تنهار تحت ضربات العدو وفي الجولة الأولى هل يمكن أن تؤمن بذلك ؟ الجواب كلا ولكنها الحقيقة و المحصلة٧ النهائية التي أُغلقت فيها الصفحة الأخيرة في حياة (مسلم بن عقيل).
لأن النصوص التاريخية المتداولة على المنابر و تسمعونها من أفواه بعض الجهلة بالتاريخ الإسلامي ، إضافة إلى الكتب التاريخية التي أبرزت (مسلم بن عقيل) كشخصية ضعيفة لا تعرف أبجديات التخطيط و التكتيكات العسكرية ، و ليس لها دراية بالخطاب الإسلامي. مما أدى إلى الوقوع (بالحسين بن علي) ، قائد الأمة و سبطها و حجتها على الخلق فريسة لأعدائه في كربلاء ، و قضت على كل القوى المؤمنة المناهضة لحكم بني أمية. هذه الشخصية أعتقد إنه كان من الخطأ اختيارها سفيرا لمهمة عظيمة كتلك المهمة التي خطط لها (الحسين بن علي) و نعتها أنها الفتح المبين إذا التحقوا بركبه.
فإذا كان اختيار (مسلم بن عقيل) دليل على ضعف (الحسين بن علي) و عدم درايته بمجريات الأحداث السياسية التي عصفت بالأمة الإسلامية أنذاك ، فإن المقولة أن (الحسين بن علي) خرج على إمام زمانه صحيحة ، وأن الشيعة هم من قتلوا (الحسين) في كربلاء وخذلوا (مسلم بن عقيل) في الكوفة أيضا صحيحة ، و لكن الأمر ليس كذلك ، إذن كيف الخروج من هذا المأزق التاريخي ؟
إذا كنا مهتمين بالحقيقة ، فإننا نحتاج أن نعرف النص من التعاريف الرسمية ، ونثبت الحقيقة بغض النظر عن الواقع و طريقة النقل ، لأننا لن نستطيع التخلص من التراكمات النصوصية إذا كانت هناك احتياجات في جعل المجتمعات تعيش في الجهالة من أجل أهواء اجتماعية أو فردية هنا أو هناك .
هناك مقولة طبية "أن شُرب كوب ماء نقي مرشح أول كل صباح يعطيك حيوية يوم كامل و يساهم في صحة البدن "، بناء على هذه المقولة يصبح التفكير في إخراج الأشياء عن نسقها المعتاد أحيانا مهم للإنسان ، مثل ما نحن بصدد تقييم الأحداث و النصوص التاريخية التي ستؤدي إلى قلب المعادلات على الواقع الإسلامي برمته.
فإذا قلنا أن (الحسين بن علي) هو نفس النبي الخاتم (ص) حين قال "حسين مني وأنا من حسين" فلا يتبادر إلى أذهاننا سوى صورة القيادة الحكيمة ، و الروحانية القوية ، و الملاذ الآمن ، و الثقة النبوية ، و هي بالتالي تمثل الثقة الإلهية في قيادة الأمة الإسلامية و أخذها إلى بر الأمان.
و (الحسين بن علي) حين قال (هيهات منا الذلة) ترجمة واقعية لمنهج النبي الخاتم (ص) أنه من كان معنا لا يقبل الذل لا قولا ولا فعلا سواء كان جنديا بسيطا أو طفلا رضيعا أو شخصا عاميا أو إمرأة مؤمنة بالله و برسوله.
من هنا يتبين لنا زيف ما نسمعه عن حادثة خوف (زينب بنت علي بن أبي طالب) عندما أراد (الحسين بن علي) الخروج من مكة ، و هذه الخدعة التاريخية لعبتها أصابع (بنو العباس) لإضعاف الثورة الحسينية ، و كان ابن جرير الطبري صاحب كتاب تاريخ (الطبري) جسرا لتنفيذ هذه المؤامرة.
إنها شخصية ضعيفة تخاف من السبي، و انهارت معنوياتها في أول الطريق إلى ساحة اﻻمتحان الإلهي ، و إنها كانت تلوم أخاها (العباس) لأنه كان سببا في مجيئها إلى أرض كربلاء. كيف يجندها (الحسين بن علي) لمنصب القيادة بعد استشهاده ؟
هذه النصوص التي نسمعها على المنابر منقولة من (الطبري) و على ذلك قس ما سواها من الأحداث من وصول (مسلم بن عقيل) إلى الكوفة واجتماع 18 ألف مقاتل معه و خذلانهم لأميرهم
وفي نهاية المطاف ينسج (الطبري جزء 6 ص 207) مشهدا عند باب إمراة تسمى (طوعة) التي تفوز بجائزة نوبل للسلام العالمي بسبب إيوائها سفير (الحسين بن علي) , و حافظت على سلامته ليلة كاملة ، و أن ابنها (بلال) أيضاً انتظر إلى الصباح كي يواشي عليه عند (ابن زياد) ، فيأتي الأخير بكتيبة عسكرية يحاصر البيت ويقبض على (مسلم بن عقيل) بكل بساطة ويقتله ، بهذ التحريف أسدل الستار في سيرة (مسلم بن عقيل) .
إذا كان كذلك ما هي حقيقة الأحداث التي وقعت مع (مسلم بن عقيل) في الكوفة ؟ وهل فعلا خذلته الشيعة و بقي وحيدا لا ناصر له ولا معين ؟ وهل طوعة ﻻ تعرفه ؟ ، وهل هو لا يعرف سكك الكوفة ؟ و لماذا لم يذهب إلى بيت (المختار الثقفي)؟ و هل فعلا صلى (مسلم) بأنصاره في مسجد الكوفة أم لا ؟
نكمل بحثنا في الحلقة (2) إن شاء الله تعالى..إلى اللقاء