من أول من سكن أرض فلسطين ؟  هذا السؤال هو من أكثر الأسئلة جدلية حول فلسطين ، حيث سعى البعض للتشكيك في عروبة أرض فلسطين مثلا  "غولدا مائير" رابع رئيس الوزراء للكيان الصهيوني صرحت  في  صحيفة صنداي تايمز في 15 يونيو 1969م  بقولها : " ليس هناك فلسطينيون فليس الأمر كما يتصور، كأنما كان في فلسطين فلسطينيون يعتبرون أنفسهم شعبا فلسطينيا وكأننا جئنا لنطردهم ونأخذ بلدهم !! إن لم يوجدوا أصلا" . فإذا لم يكن هناك شعب فلسطيني فمن الذي كان يعيش على هذه الأرض قبل احتلال إسرائيل لفلسطين ؟ بحث تاريخي مهم وممتع  أيضا ، ركزوا معي على الجواب.

قبل الإجابة على هذا السؤال تعالوا معي لنتعرف أولا  كيف نشأ إسم يهود ؟  نحن دائما نقول هؤلاء يهود أو اليهودية كفكر فمن أين جاءت هذه التسمية  " يهود" ؟ أكثر الكتابات تشير أن مصطلح يهودي غير معرف في "التوارة" سوى في بعض المصادر الدينية  في أسفار الكتاب المقدس  بمعنى لم يكن هناك مسمى " يهود"  يطلق على قوم موسى النبي  كما هو الحال عند المسلمين اسم " المسلم "  كان يطلق على أتباع النبي الخاتم (ص) في حياته الشريفة.

 تشير بعض المصادر أن " يهود" اسم  ينسب إلى أحد أسباط نبي الله يعقوب وهو " يهوذا بن يعقوب " ، حيث أن اليهود المعاصرين  ينسبون أنفسهم إلى مملكة يهوذا التي أسسها أسباط نبي الله يعقوب الأربعة من بين الأسباط الأثنا عشر وهم " يهوذ ا وشمعون وبنيامين ولاوي " ، وفي التوراة " يهوذا " هو اسم أحد أسباط  أخذ اسم جده "يهوذا بن يعقوب النبي" وأسس قبيلة ومملكة سميت بمملكة يهوذا  ، واسم هذه المملكة  استمر حتى فترة حكم  داوود النبي بعد وفاة نبي الله سليمان ومن اسم هذه المملكة جاء اسم " يهود"  كدين لأن عبادة " يهوه" البدائية تحولت إلى دين خلقي  مصقول على أيدي الأنبياء الذين رعاهم  ملوك " يهوذا" (1)  و" يهود" كان في الأصل  اسما جغرافيا قبل أن يصبح اسما لسبط من أسباط نبي الله يعقوب أو اسم لمملكة ، وفي الأصل " يهود" مأخوذ من اسم  منطقة جبلية جنوب فلسطين كما جاء في موسوعة ويكابيديا والواضح أن صيغته العبريه " يهوده" جاءت من اشتقاق  يهد  مماثلة في العربية "هد"  وهو اشتقاق بمعنى " الإنخفاض من جذر "الوهَد  والوهَدة" أي المنخفض أو الهوة في الأرض.

 و" يهود" و "يهوده" التوراتيان تأتيان من العبرية "يهد" وإنهما كانتا تعبيرين طبوغرافيين ساميين قديمين وكما هو حال عادة القبائل تأخذ اسم موطنها بهذه الطريقة ، واسم يهوده يعني "تمجيد يهوه"  وهو اسم من أسماء الله استنادا على سفر الخروج المكتوب بيد نبي الله موسى ،  وحسب التقاليد اليهودية هو اسم العلم وكما هو معروف أن اللغة العربية لا تقبل أل التعريف في اسم العلم  كما هو في العبرية " الوهيم" وتعني الألهة.
  وهذا يأخذنا إلى جزية  أخرى أن اسم "يهود" استند  البعض على سفر التكوين 8:49:35:29 وتعني تمجيد "يهوه"  "يهو يده" وهو اسم ميثلوجي ولا يوجد تفسير له في اللغة العربية مما يدل أنه من نسج الخيال  بالنتيجة أن اسم " يهود" مأخوذ من اسم أرض منخفضة "هد" ونسب بالأصل إلى أحد اسباط نبي الله يعقوب "يهوذا".  نكتفي بهذا القدر في تبيان مصدر اسم " يهود" ومن أراد منكم الاستزاده عليه أن يدرس التوارة  سفر عزرا 63:3:2 وسفر نحميا 65:8:7 عن عودة بني إسرائيل من  أسر البابلي  إلى أرض "يهوذا" .

 الآن وقد عرفتم سبب تسمية اليهود بهذا الإسم ، نأتي للإجابة عن سؤالنا السابق من أول من سكن أرض فلسطين ؟  

قصة أرض فلسطين تعود إلى آلاف السنين حيث سكنها الكنعانيون الذين هاجروا إليها وأطلق  على هذه الأرض اسم " كنع " أي الأرض المنبسطة ، وأطلق على ساكنيها الكنعانيين ، و حسب التحقيق التاريخي أن أرض كنعان تقع في الشرق الأدنى وتشمل ما تسمى اليوم بفلسطين ولبنان وأجزاء غربية من الأردن وسوريا.  وهذه المنطقة تتمتع بخصوبة الأرض وكثير من المطر مما جعلها محط أنظار الهجرات البشرية.  أطلق على الكنعانيون أنهم من الشعوب السامية.  أرجوا أن تضعوا  تحت مصطلح " السامية "  خطين لأنني سأعود إليه لاحقا  لنتعرف من هم الساميون هل هم عرب أم يهود أم كليهما أم أنها خدعة صهيونية. 

 وقصة الاستيطان البشري في فلسطين  يذكر بعض المؤرخين أنها تعود إلى مليون ونصف مليون سنة  عندما وجد علماء الآثار في وادي النطف القريب من قرية  شقبا غرب رام الله  مخلفات تعود إلى العصر الحجري  أي قبل 8000 سنة ق م ، ووجدوا أيضا أطلال لمدن أثرية مما يدل أن هناك أقواما سكنوا هذه الأرض قبل نزول التوارة وقد عثروا أيضا على رسم لثور حفر على قطعة من الحجر الطباشيري منحوته على صورة رأس إنسان مما يدل أن ساكني أرض فلسطين أنذاك اهتموا بالزارعة.  وقد أنجزت المنقبة "دوروثي غرود" عام 1928 م  أن فترة التمدن في وادي النطف سادت 7000 سنة ق م، ومهما يكن هذا التمدن فإن علماء الآثار لم يتوصلوا كيف انتهت فترة التمدن في وادي النطف (2). وخلال هذه الفترة حدثت هجرات بشرية عرفت بالهجرات الأمورية – الكنعانية وتعتبر من أقدم الهجرات إلى فلسطين .

 ويعود تسمية الأقوام الذين سكنوا فلسطين بالكنعانيين قيل نسبة إلى كنعان بن حام بن نوح النبي ولكن هذه الفرضية لا تصمد أمام الحقائق التاريخية كما سأبينها لكم لما لها بعد زمني من نهاية الطوفان إلى بداية غزوة القبيلة الكريتية عام 1200 ق م. ولتبيان ذلك تعالوا معي إلى زمن طوفان نبي الله نوح  وأبنائه الثلاثة  "حام وسام ويافث" الذين خرجوا مع أبيهم في السفينة سوى إبنه الرابع " يام أو كنعان" الذي أبى أن يخرج معه وغرق في هذا الطوفان ، وعندما استقرت السفينة على جبل الجودي وهو اتفاق  أغلب المؤرخين ، انتشر أبناء نوح النبي في أصقاع الأرض ، فانتقل سام إلى شبه الجزيرة العريبة ، وحام انتقل إلى شمال أفريقيا ، وانتقل يافث إلى أوروبا  أو أرض الروم .

 وما يعنينا هنا هو " سام" الذي ذهب ليبحث عن منطقة خصبة  وكثيرة الماء  فوجد في أرض كنعان مبتغاه وابتعد عن قساوة المناخ في شبه الجزيرة العربية وبقي في أرض كنعان وعمروها حتى الألف الأخيرة قبل الميلاد حين بدأت الغزوات عليهم  والأحداث التي غيرت اسم الأرض.

من هنا نستنتج أن أول من سكن أرض فلسطين أو أرض كنعان هم العرب ، ولكن دورية "ساينس ادفانسيز " الأمريكية  نشرت دراسة والتي أشرف عليها  " مايكل  فيلدمان" ، تقول الدراسة  أن " أول من سكن هذه الأرض أقوام قدموا من جنوب أوروبا.". لنأخذ قسطا من الراحة  ثم نعود لمناقشة هذه الدراسة .  والحمد لله رب العالمين.     

 المصادر 
1. التوراة جاءت من الجزيرة العربية ، كمال الصليبي ، ص 156
2. التوراة تثبت أن أرض فلسطين عربية ،  دعاء شريف ، ص 25